كتب: بهاء فكري

الشجاعة -في اللغة- هي الثبات والجرأة والإقدام، وهي شدة القلب في البأس. والشجاع هو من يثبت في لحظات الشدة، فلا يجزع ولا يهرب ولا يتردد. وقد اصطلح على أن الشجاعة هي القدرة على مواجهة الخوف والألم، في حين يُعرّف الجبن على أنه الفشل في إظهار قوة كافية في مواجهة التحدي. ولذلك فإن الشجاعة في مفهومها الدارج تتركز على شجاعة الجندي المحارب وقدرته على اقتحام الميدان دون خوف أو تردد!

على أن الشجاعة في مضمونها الأشمل لها وجوه كثيرة منها: (١) الشجاعة الطبيعية وتتضمن تحمل الألم والمشقة والتهديد بالموت، و(٢) الشجاعة الأخلاقية وتتضمن القدرة على التصرف بشكل صحيح تجاه المعارضة والهجوم، والثبات في مواجهة الاتهام، و(٣) الشجاعة الأدبية وتتضمن شجاعة الاعتراف بالخطأ، وشجاعة الاعتذار، وشجاعة اتخاذ القرار الصعب وغير ذلك.

 

كيف تصبح شجاعاً؟

هناك عوامل تساعد على طرد أو تهدئة الخوف وتنمية الجرأة. ويأتي في مقدمتها:

١- الإيمان:

وليس المقصود الإيمان بالقضية فحسب، بل الإيمان بأن الله موجود وحاضر ويرقب الأحداث ويشدد ويساند ويناصر الحق. هذا الإيمان يبعث القوة والشجاعة والثبات.

٢- الحياة الهادفة:

الهدف يصنع الحافز، والحافر يقوّي العزيمة، والعزيمة تثبّت الأقدام- فلا تهتز أو تتراجع، بل تقاوم رياح الخوف وتقتحمها حتى النصر. والذين يعيشون بلا هدف وبلا قضية يفتقدون للشجاعة، وترتخي خطواتهم وتهتز، ويتسلل الجبن إلى أيامهم العاطلة.

٣- اقتحام معاقل الخوف:

أغلب مخاوفنا تبدو أكبر كثيراً مما هي عليه في الواقع، لكنها تكبر في أذهاننا لأننا نطيل التفكير فيها وننتظرها وكأننا نشجعها على اقتحامنا والمبيت في عقولنا. ولتحقيق الشجاعة علينا أن نبادر نحن ونقتحم معاقل الخوف، ونهاجمه ونطرده من أفكارنا. وقد قيل في الأمثال:”الخوف خائف”، فهو ليس قوة إيجابية لها كيانها، لكنه قوه سلبية تعتمد على استسلامنا لها. لذلك يتلاشى الخوف إذا هجمت عليه وتحديّته وطردته وانكرته. والحقيقة أننا نفعل عكس ذلك تماماً، فكثيراً ما نختار أن نخاف، وكثيراً ما نصنع مخاوفنا، فهذا الاختيار (أو إيحاؤنا لأنفسنا بأن هناك ما يخيف)، يبرر لنا حالة الاستكانة التي نعيشها، ويوفر علينا مشقة الخروج والتحدي واقتحام المصاعب. لا تجعل الخوف الوهمي يتمكن منك ويشل حركتك ويقنعك بحالة السكون والتراخي والعيش في الجحور! واجه الواقع بقوه، واجه الخوف وتحداه.

٤- مقاومة عوامل الإحباط:

كثير من الناس- إن لم يكن أغلبهم لا يشجعون الفكر الرائد أو التجربة الجديدة، وهم لا يساندون التفرد. فإذا كنت مؤمناً بهدفك في الحياة، فلا تتأثر بمن يحبطونك ويضعفون عزيمتك، فهم كسالى مستسلمون للواقع ولا يرغبون في التحدي والتغيير، فاتركهم يعيشون في مناطق الراحة.. وتقدم لتختبر الشجاعة.

٥- التدريب:

الشجاعة- كأي مهارة أخرى- تكتسب بالتدريب. وهو تدريب يشبه تدريبات الرياضة البدنية، وغرضه اكتساب مَلكة الجرأة والإقدام، والتغلب على رهبة الموقف. وخلال هذا التدريب يضع الإنسان نفسه في مواقف حرجة ومآزق شديدة كأن يلقي بخطاب أمام حشد من الناس، أو يتحاور بلغة أجنبية لا يجيدها، أويذهب إلى لقاء لا يعرف فيه أحداً. ومن كثرة مواجهة النفس لتلك المواقف تألفها ولا تعود تخشاها. ومثل هذه المواقف ترسّخ في يقين الإنسان أن المواقف التي كان يخشاها ليست على هذا القدر من الإرهاب، بل وقد تكون أيضاً وهمية لا وجود لها.

٦- استعراض مواقف الشجعان وقصص البطولة:

وقد قيل: ” من يتمثّل بالشجعان يتشجّع ومن يتمثل بالجبناء يجبن”. وقد كان هؤلاء الشجعان جميعاً بشراً مثلنا، لكنهم اختبروا الشجاعة وحققوا الجرأة .

 

فكرة للتأمل

الشجاعة لا تعني حتماً أن تحمل السلاح وتقف على الحدود لتحمي الوطن، لكن شجاعتك قد تظهر بوضوح حين تعبر عن رأيك بأمانة وصدق في الوقت الذي ينافق فيه الآخرون أصحاب السلطة. وتظهر شجاعتك حين تقول: “آسف على ما فعلت”. وتظهر شجاعتك أيضاً حين تقول: “رأيي كان خطأ ورأيك صواب!”.