كتب: وليم ظريف

نتغنى من وقت لآخر بأن الطفل المصري طفل معجزة وأنه من أذكى أطفال العالم. وبغض النظر عن المبالغة في هذا المثل إلا أني أتفق في أن أطفالنا متميزين حقاً لأنهم يتحملون الكثير من الضغوط. ومن أين نأتي بطفل متميز؟ ألم يأتي هذا من وجود قادة ومُثُل عليا لهم يستطيع الأطفال أن يحتذوا بهم؟!

أعتقد أننا من أقل المجتمعات وعيًا بالتربية السليمة للأطفال. إذ كثيراً ما يسيء الآباء ترتيب الأولويات، فيعدون قائمة احتياجات الطفل من وجهة نظرهم الناضجة والتي عادة ما تشمل الملبس والمأكل والنجاح الدراسي، ثم يأتون بنماذج دراسية ناجحة للأطفال لكي يكونوا مثال وقدوة لهم بغض النظر عن باقي جوانب الحياة والشخصية. وقلما نعي كآباء احتياجات الطفل الحقيقية والأساسية وهنا يدق جرس إنذار الخطر.

عن غياب القدوة الحقيقية في مجتمعنا الحاضر أتحدث. ولن أطيل الحديث عن قدوة أيام زمان والنماذج المشرفة التي كان المجتمع المصري غنياً بها. فالأطفال لا يستطيعون أن يعيشوا بدون قدوة حالية لهم، ودون أن يروا الكبار (آباءهم ومعلميهم) قدوة حقيقية لهم. فالأطفال يأخذون الوالدين قدوة في تصرفات الحياة اليومية، ولا يمكن أبداً أن نفصل سلوك وشخصية الأطفال عن آبائهم.

من أخطر الأمور التي تنسف القدوة والمثال للأطفال أن الوالدين يقولون ما لا يفعلون. لذا علي الوالدين أن يظهروا التقدير الحقيقي لبعضهم البعض أمام أطفالهم وأمام الآخرين. إن الآباء والأمهات يشكلون وعي وانطباع الطفل الأول عن العالم لكونهم مصادر السلطة في حياتهم المبكرة. فالآباء والأمهات بالنسبة للطفل هم المثل الذي يجب أن يتبع.

بالطبع يتخذ الأطفال مصادر أخرى للقدوة مثل المعلم والصديق والأقارب ولكن تأثير هؤلاء لا أعتقد أنه يساوي في قوته تأثير الآباء، خاصة في أول خمس سنوات من العمر.

قد نتسائل هنا: لماذا نُعَقِّد الأمور؟ ألم نتربى كلنا صغاراً بنفس الطريقة وها نحن اليوم ناجحين وكثير منا لديه أطفال يربيهم بنفس الأسلوب؟

لنكن صادقين مع أنفسنا ربما أغلبنا كان يتمنى لو أنه لم يتعرض لذلك الإيذاء أو العقاب البدني المسيء في طفولته، ربما كان بعضنا يتمنى لو أن أباه لم يكن مدخنا ً ليصبح هو أكثر قوة أمام إغراء تلك العادة المدمرة على سبيل المثال.

ولكن كما قرعت جرس الإنذار سأذكر الحل (القديم الجديد) وهو أن القدوة الحسنة ممكنة. فمن أهم ما يميز الإنسان عن باقي المخلوقات هو: إرادته الحرة. ونحن كبشر نستطيع اليوم أن نختار إما أن نكون قدوة لأولادنا أو لا. فإن كنت جاد في السلوك كقدوة لأبنائك ستعرف ببساطة أن أطفالك هم أعظم استثمار في العمر، وجزء من تكلفة هذا الاستثمار أن تصرف بعض الوقت والجهد في أن تتعلم كيف تكون أباً صالحاً أو أماً صالحة بالقول والفعل. نعم قد تمر بأوقات صعبة وعسيرة، وقد يتطلب الأمر منك التخلي عن بعض العادات أو الأمور المحببة، إنما أذكّرك أن أعظم استثمار في الحياة (أولادك) يستحق هذه التضحية المكلفة وأكثر. وعندها سيصبح المثل حقيقة ويصبح طفلك هو  في حد ذاته المعجزة في هذا العالم المضطرب.