كتب: بهاء فكري

المعنى اللغوي للسماحة هو اللين والسهولة. والسماحة صفة ينعت بها الأشخاص والأشياء أيضاً. فالشخص السمح هو الإنسان اللين الخالي من القساوة والجفوة، تتعامل معه بسهولة، ولا تخشى أن تسمع منه رداً جافياً أو جارحاً أو خشناً. يسمونه في لغة أخرى “Pleasant Person” .

ويوصف بعض الأشياء أيضا بالسماحة، فهناك الوجه السمح، وهو الوجه المنبسط المريح الذي يبتسم بهدوء وينظر بحنان ومودّة، ولا تحمل قسماته علامات التشكك أو التحفز أو الضجر. وهناك الشريعة السمحة، وتعني أنها ليست ثقيلة قاهرة بل بها يسر ولين وسماحة. ويوصف العود أو الغصن بأنه عود سمح إذا كان مستوياً خالياً من العقد. وهناك سماحة اليد، وهي الجود والكرم والعطاء والسخاء.

والسماحة هي أيضاً العفو والقدرة على الغفران ونسيان الخطأ.

قد يبدو التسامح كنبع حلو يتدفق وسط واحة جافة، يلفحها صهد الحياة المليئة بالنقمة والصراع، والواقع أنه كذلك. لكن التسامح ليس أمراً سهلاً يتعاطاه الجميع بصورة آلية. فالتسامح ليس الاختيار الأول والفطري- الذي يتبادر إلى الذهن البشري، بل تسبقه عادة رغبة الانتقام. وفي كثير من الأحيان يخضع الإنسان بالأكثر لدوافع النقمة، فهي تجد في داخلنا ما يغذيها ويشعلها. وكثيراً ما تتراجع الرحمة أمام القسوة، بل وكثيراً ما يأخذ الانتقام شكل العدل والغيرة للحق.

السماحة ينبوع من الماء العذب الذي يتدفق من عين عميقة جداً في تربة النفس البشرية- بعد مرورها في صراعات مع الظلام والصخور والحواجز والضغوط الخفية في الأعماق. وعملية استخراج ماء السماحة العذب من أعماق النفس البشرية الميالة  للانتقام لا يمكن أن يقوم بها القلب المليء بالمرارة.

 

كيف تنمّي روح التسامح؟

مسألة الغفران والمسامحة ونسيان الأذى ليست مسألة جانبية في حياتنا، بل هي ضرورة ملحة في حياتنا يتوقف عليها جزء كبير من سلامنا النفسي وقدرتنا على معايشة الحياة. فنحن الآن لا نعيش في مجتمعات منعزلة، بل نعيش في مجتمعات مزدحمة، ذات مصالح متداخلة، تكثر فيها الاحتكاكات والاختلافات والصراعات ووجهات النظر المتباينة. وفي سياق هذه الاحتكاكات يقع الأذى وتشحن النفوس بعوامل سلبية تغذي التنابذ وتضعف المودة، وتترك ذكريات يصعب نسيانها. وهنا يصبح أمامنا طريقان: الأول هو أن نتعاتب ونتسامح ونتصالح ونستأنف الحياة، والطريق الآخر هو أن نتعادى ونتحارب وننمي في داخلنا روح الضغينة والحقد، فنتقاتل وننتقم. لكن ممارسة التسامح والغفران ليست أمرأ  سهلاً كما رأينا في الفقرة السابقة، وهي تحتاج إلى قوة داخل القلب. غير أننا لا يجب أن نقف خاملين في انتظار حدوث المعجزة الداخلية  في قلوبنا، لكن هناك نقاط عملية تساعد على تنمية روح التسامح:

١- لا تنظر إلى ما حدث لك باعتباره حدثاً نادراً. فالخلافات وتوابعها من الأذى تحدث في كل لحظة وفي كل مكان.

٢- لا تسترسل في استعراض الأذى. فهذا الاجترار للألم من شأنه أن يرسخ في داخلك الإحساس بالظلم، ويضخم الإحساس بالمهانة. وتذكر أن مثل هذه الأحاسيس السلبية سريعة النمو والتكاثر إذا وجدت في بيئة الشكوى ورثاء الذات.

٣- واجه.. اذهب وعاتب. لا تعيش تقلب الأمر في ذهنك، لا تتركه يضنيك. فهذا الأمر وقع بين طرفين، فاذهب إلى الطرف الآخر وعاتب دون انفعال. استعرض الموضوع  في شكله البسيط  وربما تكتشف أنك بالغت في إحساسك بالأذى. غير أن البعض يرى أن المواجهة قد لا تفيد في بعض الأحيان، وذلك حين يكون الطرف الآخر مغالطاً أو مسرفاً في تبرير موقفه بالباطل، أو يحاول أن ينسب الخطأ  إليك، ففي هذه الحالة يزيد إحساسك بالأذى، ويجعل من الصعب عليك أن تغفر لإنسان لم يعترف أصلاً بأنه أخطأ في حقك، ويستهين بمشاعرك الحساسة! لذلك احرص وأنت تواجه أن تكشف ما بقلبك بهدوء دون توقع لرد فعل أفضل! وهذا سيولد لديك قدرة هائلة على التحمل والتسامح!

٤- وجه غضبك على الأذى وليس على المؤذي- للتصرف الخاطئ وليس لصاحبه. مرن ذهنك على الفصل بين الخطأ والمخطئ. ففي لحظات الانفعال تختلط علينا الأمور، فمن أجل خطأ واحد اقترفه صديق مثلاً- نصب غضبنا عليه ونراه مصدراً لكل قبح ومهانة وأذى، والأمر ليس كذلك. فلابد أن تكون لهذا الشخص محاسن وأفضال كثيرة- يعمينا عنها ما وقع علينا من أذى!

٥- استبعد مبدأ الانتقام. فهو فخ سيء تخرج منه جميع الأطراف بجروح عميقة، وهو في النهاية يهدم ولا يبني.

٦- هيء نفسك للتسامح. فالتسامح قوة والانتقام ضعف. ولا توجد قوة تداوي الجروح سوي التسامح!

٧- دافع -بينك وبين نفسك- عمن أساء إليك . ضع نفسك في مكانه وفي ظروفه وحاول أن تجد له الأعذار!

٨- تذكر أنك أنت أيضاً لك أخطاء سببت الأذى لآخرين. وقد تكون أخطاؤك مقصودة أو غير مقصودة، وقد تكون آذت من تعرفهم أو من لا تعرفهم. فنحن بشر خطاءون!

٩- إذا وجدت ميلاً للتسامح فعجل به. فطول الوقت يزيد الفرقة، ويطيل أمد التخاصم، ويقتل المبادرة الطيبة. وتذكر وأنت تسامح أن تصفي قلبك تماماً من أحاسيس المرارة!

١٠- استلهم الحب. فكلما اتجهت قلوبنا نحو المحبة سهل علينا أن نغفر ونسامح. الحب هو سنة أولى تسامح!